حين تعبر روح الصحراء حدود الجغرافيا… وتصل إلى فيينا محمّلة بعبق القهوة وبساطة النخيل وعمق الإنسان العربي
هذا العام، لم يكن الجناح السعودي في البازار الدولي للأمم المتحدة ال56 مجرد ركنٍ للعرض، بل بدا كواحة صغيرة نُقلت بحميميتها وتراثها من قلب الجزيرة العربية إلى قلب أوروبا.
تحت إشراف السفير الدكتور عبدالله طوله، المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، قدّمت المملكة حضورًا يُشبه القصيدة؛ تبدأ أبياتها من جذور النخل، وتمتدّ صورها في ذاكرة الضيوف طويلاً.
كانت الخيمة السعودية محور هذا الحضور، لا كقطعة ديكور، بل كرمزٍ لفضاءٍ تعود فيه الأشياء إلى معناها الأول:
دفء الأرض، سكينة الرمل، وإيقاع الضيافة الذي لا يعرف التكلف. جلس الزوّار فيها كما لو أنهم يعبرون الزمن، محاطين برائحة البخور وصوت القهوة العربية وهي تُصبّ بوقارٍ في فناجين صغيرة تحمل حكمة تقاليد لا تزال حيّة.
وعلى الطاولات، اصطفت المنتجات السعودية كعقدٍ من الذاكرة
بلحٌ هو خلاصة شمسٍ لم تغب،
معمول ترتّبت حباته كحنينٍ منزلي،
قهوة عربية يعود معها القلب إلى أصله،
حنّاء تُعيد طقوس الفرح إلى أصابع النساء،
أعشاب وزيوت طبيعية تحمل من خيرات الأرض هدوءها وشفاءها،
وصابون مصنوع من زيوت نقية يكاد يشبه نقاء البساطة الريفية.
بل إن الزائر لم يكن مُشاهِدًا فقط؛ فقد اقترب من التجربة عبر رسم الحناء، ووصفات الزيوت، وماء الورد الذي بدا كأنّه رسالة لطيفة من الطائف إلى العالم.
مشاركة المملكة جاءت هذا العام كفعلٍ ثقافي وإنساني، يتجاوز فكرة التمثيل الدبلوماسي التقليدي، ليقدّم المملكة كما هي:
أصيلة، مضيافة، ذات جذور عميقة وأفق مفتوح. في هذا البازار، كان كل ما في الجناح السعودي يقول إن التراث ليس مجرد ماضٍ محفوظ، بل هو نبضٌ مستمر يمكنه أن يعبر القارات ليصنع لحظة لقاء بين ثقافتين لا يفصل بينهما سوى جغرافيا… لا أكثر.
هكذا، تجلّت المملكة في فيينا، لا كضيف، بل كحضورٍ يترك أثره الهادئ… ويُذكّر بأن الأصالة حين تُقدَّم بصدق، تتحوّل إلى لغة يفهمها الجميع

