افتتاح معرض فيينا الدولي للكتاب 2025: احتفاءٌ بالمعرفة وحوارٌ بين الفكر والإنسان  

فيينا – دعاء أبوسعدة

0 3

في أجواءٍ تغمرها رائحة الورق وحفيف الصفحات، انطلقت اليوم فعاليات معرض فيينا الدولي للكتاب 2025 (Buch Wien) في مركز المعارض بالعاصمة النمساوية، لتتواصل حتى السادس عشر من نوفمبر، حاملةً معها وعدًا جديدًا بلقاء الفكر والجمال في مدينة عُرفت دومًا بأنها مرآةُ الثقافة الأوروبية وملتقى العقول الحرة.

شهد حفل الافتتاح حضور نائب رئيس الوزراء النمساوي ورئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندرياس بابلر، إلى جانب الرئيس السابق لجمهورية النمسا السيد هاينز فيشر، وعدد من الوزراء ورؤساء الأحزاب، وحشدٍ كبيرٍ من المثقفين والمفكرين والكتّاب وأصحاب دور النشر والمهتمين بالشأن الثقافي والفكري.

وقالت المشارِكة في الفعالية، التي حضرت حفل الافتتاح، إن الأجواء كانت «احتفاءً بالكتاب كجسرٍ للحوار الإنساني، ونافذةٍ تُطل منها الأرواح على عوالم الفكر والمعنى»، مؤكدةً أن الثقافة تظل دائمًا لغة الشعوب ومفتاح المستقبل.

ويأتي المعرض هذا العام في نسخته الأوسع على الإطلاق، إذ يمتد على قاعتين للعرض للمرة الأولى، بعد أن سجل العام الماضي رقمًا قياسيًا تجاوز 65 ألف زائر. وقد أُضيفت مساحة جديدة تبلغ خمسة آلاف متر مربع ضمن القاعة “ج”، تحت إدارة المديرة الجديدة جوليا كوسباخ، التي وعدت بأن تكون هذه الدورة «احتفالًا متجددًا بالكلمة وبكل أشكال التعبير الإنساني».

ويشارك في المعرض أكثر من 500 دار نشر ومؤسسة ثقافية من عشر دول، تعرض أحدث إصداراتها من الروايات والقصص القصيرة وكتب الأطفال والشباب والكتب غير الروائية والوسائط الرقمية والمجلات الأدبية والعلمية، إلى جانب أدب الخيال والجرائم والسير الذاتية والكتب الصوتية، في مشهدٍ ثقافيٍّ متنوعٍ يجمع بين العراقة والتجديد.

كما يتضمّن البرنامج الأدبي للمعرض أكثر من 300 فعالية بين حوارات مسرحية وقراءاتٍ فكرية ونقاشاتٍ فلسفية، تمتد من الأدب الألماني إلى الأدب العالمي، ومن الخيال إلى الفكر النقدي، ومن كتب الطهي إلى السير الذاتية.

ولا تقتصر فعاليات المعرض على القراءات التقليدية، بل تُركّز على الحوار الحيّ بين الكتّاب والجمهور حول الإبداع والوعي والمعنى.

ويُولي المعرض هذا العام اهتمامًا خاصًا بالشباب والأطفال، من خلال برنامج موسّع للأدب الشاب، أُضيفت إليه مساحة جديدة بعنوان «مسرح الكبار الجدد»، تهدف إلى دعم أجيال جديدة من القرّاء والمبدعين. كما أُنشئت «ردهة بائعي الكتب» التي تُتيح تواصلاً مباشرًا بين الكتّاب والقراء وخبراء النشر.

ومن أبرز فعاليات هذه الدورة أيضًا منصة العلوم، التي تُعنى بالكتب غير الروائية وقضايا العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، حيث سيقدّم الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء أنطون زيلينغر والعالمة ماريسا جيستينا رؤى فكرية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والبحث الكمومي، في إطار عام الفيزياء الكمومية في النمسا.

ويحمل المعرض هذا العام شعارًا لافتًا

“المعرفة بالكتب بدلًا من التظاهر بالجهل”،

في دعوةٍ رمزيةٍ إلى أن يظل الكتاب سلاح الوعي في زمن الضوضاء.

تتنوع محاور النقاش بين الدين والفلسفة والنسوية والذكاء الاصطناعي، وتشارك فيها أسماء لامعة مثل الصحفية كلوديا باغانيني ومدون اليوتيوب ماتياس أ. نار، في مناظراتٍ مفتوحةٍ حول الحقيقة والقيم والأصالة في عصر المنصات الرقمية.

كما يحتفي المعرض هذا العام بفنّ القصص المصوّرة الفرانكوفونية، بمشاركة مؤلفين من كندا وبلجيكا وسويسرا، في تظاهرة فنية تهدف إلى تعزيز الحوار الثقافي بين الفضاءين الفرانكوفوني والنمساوي.

وهكذا، يُعيد معرض فيينا للكتاب تأكيد مكانته كواحةٍ للمعنى وسط صخب العالم، حيث تلتقي اللغات في حضرة الكلمة، وتتعانق الفلسفة مع الخيال، ليبقى الأدب شاهدًا على نبض الإنسان وقلق الوجود

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.