حين يصمت الله في وجدان الإنسان… هل أصبحنا آلهة لأنفسنا؟

فيينا دعاء أبوسعدة

0 41
مصر عرضى

في لحظةٍ ما من عمر هذا الكوكب، توقّف الإنسان عن رفع رأسه إلى السماء، وبدأ يُحدّق في المرآة.

شيءٌ ما تغيّر.

لم تعد الأسئلة تُطرح طلبًا للهداية، بل لتثبيت الضياع.

لم نعد نبحث عن الله، بل نبحث عن طريقة لنتجاوزه…

لنعفي أنفسنا من الخضوع، ونصنع من عقولنا معابد، ومن شكوكنا آلهة.

 

هل يمكن للكون أن يصير بلا رب؟

هل نستطيع أن نملأ هذا الفراغ العظيم بنظريات؟ بمجرّات؟ بتطبيقات؟ بصوتنا العالي ونحن نصرخ أنا أفكر، إذن أنا وحدي ؟

 

كل شيء يوحي بذلك.

العالم لا يكتفي بالتشكيك، بل بدأ في إعادة برمجة الوجدان.

المعجزات تُفسَّر بالمجسات، والقدر يُرجم بنظريات الاحتمالات، والسماء تُختصر في الطقس، والخلق يُربك بالتقنيات التي “تحاكي” الكوارث.

نسمع عن آلات تحرّك الزلازل، وعمليات “استمطار صناعي” تُنزل الغيث… لكن الغرض أعمق من المعرفة.

الغرض أن نقول دون أن نقول “لم نعد بحاجة إلى الله”.

لسنا نكفر به، لكننا نتجاوزه… نتجاوزه بحذر، ببطء، حتى يبهت صوته في داخلنا.

 

وهنا لا يعود الإنسان مؤمنًا أو كافرًا… بل يصبح مخلوقًا مشوشًا، بلا مركز.

وهذا أخطر من الكفر.

لأن الكفر يعترف بالله ليُنكره.

أما هذا النمط الجديد من “الإلحاد المبطن”، فهو يمحو السؤال نفسه.

ينكر الحاجة إلى الخالق كما تُنكر العين حاجتها إلى الضوء وهي تنظر إلى شاشة مضيئة لا تنام.

 

هل تذكّرت الآن ما قاله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن آخر الزمان؟

“سيأتي على الناس سنوات خدّاعات… يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن…”

لكن ماذا عن الخيانة الكبرى؟

خيانة الفطرة.

حين يصبح الإنسان غريبًا عن نفسه، يعبد تكنولوجيا تُخيفه أكثر مما تُنقذه، ويفتش عن الطمأنينة في عوالم افتراضية، ويهرب من الصلاة لأنها تذكّره بأنه مخلوق لا يمكنه أن يفعل كل شيء.

 

لقد دخل الإنسان زمنًا غريبًا 

يُحلل فيه كل شيء، لكنه لا يطمئن إلى شيء.

يعرف كيف يصنع “روبوتًا” يُشبه البشر، لكنه لا يعرف من هو.

يتحدث عن الذكاء الاصطناعي، لكنه عاجز عن الاعتراف بجهله الأصيل أنه لا يملك تفسيرًا لحلمه، لدمعته، للفراغ في قلبه بعد ضحكة طويلة.

 

نعم، قد يكون هذا هو زمن النبوة الصامتة… حيث لا يُجدي الوعظ، ولا تكفي الكتب، بل تُصبح العودة إلى الله رحلة وجودية قاسية، تبدأ من حطام النفس لا من رفوف المكتبة.

 

لا طريق الآن إلا أن نقف، خاشعين، على أطراف هذا الليل.

ننظر إلى فوق، لا لأننا نملك أجوبة، بل لأننا تعبنا من السؤال.

نقول، بصوت خافت، وسط هذا الضجيج الغامر:

اللهم، لا تُسلّمنا إلى أنفسنا لحظة واحدة.

لا تتركنا لوهم السيطرة، ولا تُعاقبنا بخفة الإلحاد المقنع.

أعدنا إليك، نحن الذين فقدنا كل شيء، حتى خجلنا من البكاء

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.