من النيل إلى الهان”… حين تصبح الريشة جواز سفر وهوية

فيينا – دعاء أبوسعدة

0 7
مصر عرضى

عندما تجتمع الحضارتان المصرية والكورية على ضفاف نهر من الألوان، وتتحوّل الريشة إلى وسيلة تواصل بين الشعوب… تولد تجربة فريدة من نوعها. “من النيل إلى الهان” ليس مجرد معرض، بل فصل جديد في سجل الدبلوماسية الثقافية المصرية، كتبته الفنانة دينا فهمي الروبي بلغة الفن والتقنيات المعاصرة.

ليس كل من يرسم فنانًا، فثمة من يجعل من الريشة وطنًا متنقلًا، ومن اللون لغة دبلوماسية تتجاوز الحواجز. هكذا تفعل دينا فهمي ، الفنانة التشكيلية المصرية التي لم تكتفِ بتمثيل بلدها في المعارض الدولية، بل صنعت من كل لوحة مرآة لهوية تمتد لآلاف السنين، تُقرأ في العواصم العالمية دون حاجة إلى ترجمة.

في معرضها الأخير ، الذي احتضنته سفارة مصر في العاصمة الكورية سول، 

قدّمت الروبي تجربة فنية مغايرة لا تستعرض التاريخ، بل تُعيد تشكيله. أكثر من 45 عملًا، شكّلت حوارًا بصريًا غنيًا بين حضارتين عريقتين — الحضارة المصرية بنورها الرمزي وألوانها المشبعة بالدلالات، والحضارة الكورية بما تحمله من روحية التأمل والانضباط البصري.

اللافت في أعمال الروبي ليس فقط مضمونها، بل الطريقة التي تنسج بها الرموز مع الشعور. الذهبي في لوحاتها لا يُحاكي الرفاه، بل شمس الأقصر. الأزرق ليس زخرفة، بل ظل النيل على جدران المعابد. الخط العربي لا يُستخدم كنص، بل يُعامل ككائن حي ينبض ويتموّج ويتنفس. وفي الجوار، تحضر رموز كورية دقيقة، كخطوط “الهانغول” أو دوائر الطاقة الشرقية، لتقول لنا الفنانة إن الجمال حين يكون صادقًا، لا يحتاج إلى هوية واحدة.

وقد أضافت إلى هذا الجسر البصري بعدًا تكنولوجيًا باستخدام تقنيات الواقع المعزز (AR)، لتمنح الزائر تجربة حسية تفاعلية، يتنقّل فيها بين طبقات المعنى، ويعيش العمل كفضاء مفتوح للحوار.

لكن بعيدًا عن جماليات العرض، تكمن قوة هذه التجربة في رمزيتها. فالمعرض، الذي أُقيم احتفالًا بمرور ثلاثين عامًا على العلاقات بين مصر وكوريا الجنوبية، لم يكن مجرد حدث فني، بل فعل ثقافي بامتياز. 

وقد جاء برعاية سعادة السفير خالد عبد الرحمن، الذي أكّد في كلمته أن الفن هو الجسر الذي لا يُهدَم بين الشعوب.

 

من المعارض إلى التكريم الفنانة التي تحمل هوية مصر في لوحاتها

دينا الروبي ليست فنانة تقليدية، بل صاحبة رؤية تحملها إلى حيث تسافر لوحاتها. 

سبق أن عرضت أعمالها في عواصم كبرى مثل باريس، لندن، مدريد، روما، أثينا، فيينا، برلين، وبودابست، و براج ، وجميعها عكست بحثًا دائمًا عن حوار بين التراث والتجريب، الرمز والتجريد، الشرق والغرب.

وتقول عن نفسها 

أنا لا أرسم مشهدًا، بل أستحضر ذاكرة. أؤمن أن اللوحة يجب أن تتكلم، لكن بصوت هادئ، صوت يُفكّر فيه المشاهد طويلًا بعد أن يغادر المعرض.

هذا المسار الفني العميق تُوّج بحصولها على لقب “Art Ambassador” تقديرًا لجهودها في تمثيل مصر فنيًا على الساحة الدولية، إلى جانب تكريمها في منتدى “Empower Her Art” بالمتحف المصري الكبير في مايو الماضي، حيث ألقت كلمة عن دور المرأة في الفن، وأشرفت على جناح خاص للفنانات الرائدات من الجيلين الأول والثاني.

فالفن كدبلوماسية ناعمة… لا تحتاج إلى خطابات

في لحظة معينة، أمام العلم المصري، وسط جمهور كوري، وفي قاعة هادئة على ضفاف الهان، شعرت دينا، كما وصفت، أنها لا تُعلّق لوحة… بل تُعلّق فكرة عن مصر قوية، نابضة، ومتجددة.

إن معرض “من النيل إلى الهان” لا يختصر فقط تجربة فنية، بل يفتح أفقًا جديدًا للتفكير في دور الفن كأداة تواصل ودبلوماسية ثقافية، في زمن تمضي فيه السياسة بسرعة، بينما تبقى الجماليات الأكثر صدقًا… قادرة على الهمس بما لا تقدر الكلمات على قوله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.