محمد صلاح… حين يصبح الرمز أكبر من المنظومة  

فيينا دعاء أبوسعدة 

0 53

ليست كل الأزمات التي يمر بها البطل دليل ضعف، بل في بعض الأحيان علامة اكتمال.

محمد صلاح اليوم لا يعيش أزمة لاعب يبحث عن مكانه، بل لحظة تحدٍ للكلمة نفسها 

 ما قيمة اللاعب حين يتجاوز دوره الوظيفي ويصبح معنى؟

في بداية أي مشروع، يُحتفى بالموهوب لأنه وعد بالمستقبل.

اللاعب المبكر يُمنح المساحة، ويُغض النظر عن الأخطاء، ويُكرّم على احتمالية النجاح.

لكن حين يتحقق الوعد، ويصبح حاضرًا فعليًا، يبدأ العالم بالتوتر.

المنظومة الرياضية الأوروبية الحديثة، كما العالم، لا تعرف كيف تتعامل مع من تجاوز التوقعات دون أن يختفي.

صلاح لم يعد مجرد لاعب يسجل ويصنع، بل عنصر توازن داخل فريق، ومرجع جماهيري، وصورة مستقرة للنجاح الطويل.

هذا النوع من الحضور لا يُقاس بالأرقام وحدها، ولا يُدار بسهولة، لأنه يخرج عن منطق الإيقاع السريع الذي تحكم به المنظومة قراراتها.

في المقابل، لا يعتبر هذا صدامًا شخصيًا؛ إنه مجرد تباين بين زمنين

زمن المنظومة التي تريد الحركة والتجديد المستمر، 

وزمن اللاعب الذي يمثل الاستمرارية والمعنى.

الأزمة ليست في دقائق اللعب أو الخطط الفنية، بل في طريقة تقييم القيمة.

المنظومات الحديثة تقيس اللاعب بالقدرة على اللحظة، وليس بالاستمرارية.

هنا يكمن الحل الجذري نقل الأزمة من صراع مكان في التشكيل إلى صراع تعريف القيمة.

 صلاح يحتاج إلى أن يُعامل كـ “نقطة ثقل استراتيجية” لا مجرد لاعب أساسي أو بديل.

دوره الحقيقي يكون في تثبيت الإيقاع، إدارة الضغط الجماهيري، حماية هوية الفريق، وخلق توازن معنوي للفريق كله.

هذه الرؤية لا تعرفها الشارع ، ولا الإعلام عادة، لأنها تحتاج إلى فهم عميق للزمن داخل اللعبة، وليس مجرد تحليل رقمي.

الحل إذن ليس في الصدام مع جالمدرب، ولا في محاولة فرض مكان أساسي،

بل في تحرير صلاح من اختبار المكان نفسه.

السماح له بالاستمرار في كونه نقطة تأثير حقيقية دون أن يُقاس كل أسبوع بما يحققه من أداء لحظي.

وهذا وحده يرفع قدرته على البقاء فعالًا، ويحوّل الأزمة إلى فرصة للمنظومة نفسها لتتعلم قيمة الاستمرارية.

إن دعم بطل مصر والعالم محمد صلاح اليوم ليس مجرد مسألة وطنية أو رياضية،

بل اعتراف بقيمة نادرة في عصر الاستهلاك السريع 

الإنسان الذي يعطي طويلًا، ويحافظ على صورته، ولا يسمح للضغط الخارجي بتحويله إلى سلعة قابلة للإلغاء.

هنا يظهر الفارق بين من ينجح بالتصريحات، 

وبين من ينجح بالمسار والصمت المستمر.

مو صلاح لم يتوقف عن العطاء،

ولم يخسر قيمته، ولا يحتاج إلى إنقاذ.

ما يحتاجه هو أن تفهم المنظومة، والجمهور، والشارع، أنه لم يعد اختبارًا مؤقتًا، بل دورًا مستمرًا يجب أن يُدار بحكمة.

في النهاية، ليست الأزمة معه ، بل مع العالم الذي لا يعرف كيف يقدر من تجاوز اللحظة إلى الاستمرارية.

وهذا هو الدرس الحقيقي 

النجاح لا يُقاس فقط بالزمن القصير، بل بالقدرة على التأثير المستمر، وبأن تبقى حاضرًا في عالم يفضل أن تنسى سريعًا.

وهنا تكمن قوة صلاح الحقيقية، والتي تجعل وجوده أكثر تأثيرًا من أي أرقام أو بطولات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.