في يوم اللغة الكردية… سالزبورغ تصغي لنبض الهوية

فيينا دعاء أبوسعدة

0 169

في زمن تتسارع فيه اللغات نحو الذوبان داخل عوالم العولمة، تبقى بعض اللغات أكثر من مجرد أصوات… تبقى وطنًا متنقلًا، وملاذًا للمنفى، ومرآةً لذاكرةٍ عصيّة على المحو.

اللغة الكردية ليست فقط ما ينطقه الأبناء، بل ما تنقله الجدّات همسًا، وما تحمله الأغاني، وما يتوارى في القصائد، وما يُخطّ على دفاتر أطفال في المهجر.

ولأن الحرف الكردي هو نبض البقاء، ورمز الصمود، تحوّلت سالزبورغ في هذا اليوم إلى مسرحٍ مفتوح للانتماء، إذ احتفلت الجمعية الكردية الثقافية للاندماج بيوم اللغة الكردية، فأعادت للهواء نكهة الكلمات الأولى، وللذاكرة نغمتها الأم.

وسط حضور مهيب لفروع الجمعية من مختلف المدن النمساوية، احتفلت الجمعية الكردية الثقافية للاندماج في سالزبورغ بـيوم اللغة الكردية، في فعالية استثنائية جمعت بين الاحتفاء بالحرف، واستحضار الجذور، وبعث الذاكرة من جديد.

وقد توافد أبناء الجالية الكردية من سالزبورغ، فيينا، لينز، وسانت بولتن إلى قاعة الاحتفال، في مشهد عابق بالانتماء، ليجددوا عهدهم بلغةٍ ظلّت لعقود تُحارَب وتُقاوِم، لكنها بقيت عصيّة على الطمس، حيّة في القلوب والأغاني والقصائد.

بدأ الحفل بعزف النشيد الوطني الكردي، تبعه دقيقة صمت لذكرى شهداء كوردستان، ثم أضاء المسرح أطفال فرقة “أزهار كوردستان” بعروضٍ فنية فلكلورية تمزج بين البراءة والهوية، حيث صدحت أصواتهم بأغنيات قومية وأهازيج نوروزية حملت دفء التاريخ وبساطة الحياة.

الاحتفال لم يكن طقسًا تقليديًا، بل لحظة مسرحية نابضة بالروح، أعادت تمثيل ملامح من الحياة الكردية اليومية من الزراعة إلى الحصاد، ومن إعداد الخبز إلى التكاتف المجتمعي كأن الذاكرة الجماعية قررت أن تحكي ذاتها على الخشبة.

أدارت فقرات الحفل الإعلامية ليلى درويش باقتدار وأناقة، مقدّمة فقرات البرنامج بلغة تجمع بين الرصانة والتأثير، فيما أبدع نخبة من الشعراء في إلقاء قصائدهم باللغة الكردية، فحوّلوا الكلمات إلى جسورٍ من الحنين والمقاومة. ومن بين الشعراء المشاركين

 وهيبة عيسى و شبال برزنجي – شاعر، موسيقي، ومدرّس لغة كردية

 و جان بابير و أكرم حسو و ميران موسى كل شاعر كان بمثابة صوت منفى، يُعيد للكلمة الكردية روحها ومكانها.

وفي ذروة اللحظة، ألقى رئيس الجمعية محمد زنون درويش كلمة عميقة جاء فيها اللغة الكردية ليست مجرد وسيلة تواصل، إنها شجرة عمرها آلاف السنين، كل فرع فيها يحمل جرحًا ووردًا. نحتفل اليوم لا لنُجمّل الذكرى، بل لنكرّس الحضور. ما نزرعه الآن في عقول أطفالنا من حروف، سيُثمر وعيًا وهوية في الغد.

وشدد درويش على أهمية التعليم في المهجر، ودور الجمعية في تعزيز الانتماء اللغوي والثقافي وسط الجيل الجديد، مؤكدًا أن الحفاظ على اللغة هو فعل مقاومة هادئة لكنه جوهري.

وفي ختام الحفل، كرّمت الجمعية دفعة من خريجي المدرسة الكردية في سالزبورغ ومحيطها، في مشهدٍ حمل رمزية واضحة: أن الكردية لا تُورَّث فقط، بل تُعلَّم وتُغرس وتنمو حتى في المنافي.

هكذا، لم يكن يوم اللغة الكردية مجرد احتفال، بل تجسيد حيّ لأن اللغة ليست ما نقوله، بل ما نحن عليه

 

مصر عادى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.