رواية( لاموغ “عشق وموت”) دفء العشق ووهج الحكاية ، “مقبول الرفاعي

0 4

في ليلة شتوية من ليالي فيينا الساحرة، اجتمع عشاق الأدب والرواية في أمسية استثنائية لمناقشة رواية “لاموغ: عشق وموت” للأديبة والإعلامية السورية إيمان أحمد مسلماني. كانت العاصمة النمساوية على موعد مع دفء الحكاية، حيث تداخلت أنغام الحروف مع نبض القلوب، وأضفى الحضور الثقافي المميز وهجًا خاصًا على الأمسية.

افتتحت الجلسة بكلمات ترحيبية أكدت على أهمية هذه الرواية في المشهد الأدبي العربي الحديث، حيث استطاعت مسلماني أن تثير أسئلة عميقة حول الحب والموت، مقدمةً رؤية سردية تتجاوز التقليدي، وتعبر عن مشاعر إنسانية شائكة بجرأة أدبية لافتة.

الرواية بين الماضي والحاضر

وأثناء مناقشة الرواية، عاد البعض بذاكرتهم إلى عام 1913، حين كتب محمد حسين هيكل روايته الشهيرة “زينب” في فرنسا، والتي تُعتبر من أوائل الروايات العربية الحديثة. المفارقة أن مسلماني كتبت أيضًا “لاموغ: عشق وموت” في فرنسا، وكأن القدر شاء أن تكون بلاد الغربة منطلقًا لروايات تمثل تحولات فكرية وثقافية في الأدب العربي. لكن الاختلاف بين الروايتين يكمن في المضمون والطرح، حيث جاءت “لاموغ” محملة بتجربة أدبية أكثر نضجًا، تعكس صراع الحب والموت في بيئة مشبعة بالتوترات النفسية والاجتماعية.

وكما كان هيكل قد درس الحقوق قبل أن يتجه للأدب، فإن إيمان مسلماني درست المحاسبة، لكنها وجدت شغفها في الإعلام ثم الأدب، مما يعكس أن الإبداع لا تحده التخصصات، بل هو انسياب طبيعي للموهبة والبحث عن الذات في عوالم الحرف والسرد.

عشقٌ يقترن بالموت

لم يكن عنوان الرواية “عشق وموت” مجرد اختيار عابر، بل هو تجسيد لفلسفة خاصة ترى أن العشق في بعض الأحيان قد يكون ممرًا إلى الفناء، تمامًا كما عبّر مصطفى صادق الرافعي في كتابه “رسائل الأحزان في فلسفة الحب والجمال” عندما قال:

 “البغض شيء مؤلم، 

والحب شيء كالألم.”

 

واستحضرت الأديبة ايمان مسلماني في إحدى مقابلاتها السابقة هذه الفكرة بقولها: “في بلادي كثيرًا ما يكون العشق موتًا.” وكأنها تشير إلى مأساوية الحب في واقع مليء بالتحديات والآلام.

 

رواية “لاموغ: عشق وموت” 

 تتناول قضايا المرأة في المجتمع السوري، مسلطةً الضوء على التحديات الاجتماعية والثقافية التي تواجهها النساء. تبدأ الرواية بحوار داخلي للبطلة “شمس”، التي لم تتزوج بعد، وتعبر عن رؤيتها للحياة الزوجية والشريك، مشيرةً إلى أنها لم تجد بعد الشخص المناسب لتكوين حياة زوجية ناجحة معه.

 

تتطرق “شمس” إلى نظرة المجتمع للمرأة، حيث تُعتبر مكملة لحياة الرجل وضرورية لتكوين الأسرة، لكنها لا تُعامل كإنسان كامل الحقوق والمشاعر. فعلى سبيل المثال، عند وفاة الزوجة، يسارع الجميع لاختيار زوجة أخرى للرجل لتلبية احتياجاته، بينما إذا توفي الزوج، يُتوقع من المرأة الصبر والاهتمام بأطفالها، وتُهمَل حاجاتها الخاصة، بما في ذلك الحاجات العاطفية والجسدية. وإذا عبّرت المرأة عن هذه الاحتياجات، قد تُتهم بالانحلال وقلّة الأمومة.

 

تتحدث “شمس” أيضًا عن صديقتها “شجون”، طبيبة الأسنان التي بلغت العقد السادس من عمرها،

 تزوجت “شجون” عن حب وأنجبت عدة أبناء، لكنها اكتشفت أن زوجها لم يكن يمنحها الحب والاهتمام الكافيين، مما حوّل حياتها معه إلى مجرد أداء واجبات منزلية وجنسية عند الحاجة. بعد انفصالها عنه، عاشت مع أولادها واستمرت في عملها كطبيبة أسنان، مكتفيةً اقتصاديًا. تعرفت لاحقًا على الشاعر “وحيد” في المراكز الثقافية بحلب، الذي أبدى اهتمامًا كبيرًا بها، مما أدى إلى نشوء علاقة حب بينهما، رغم تقدمها في العمر.

 

من خلال هذه الشخصيات، تسلط الرواية الضوء على التحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع السوري، خاصةً في ما يتعلق بالحب والعلاقات الزوجية، وتنتقد النظرة التقليدية التي تقيّد المرأة وتحدّ من حقوقها وحريتها.

 

ليالي الأنس في فيينا: بين الحنين والإبداع

 

أضفى المكان رونقًا خاصًا على الأمسية، فكما غنّت أسمهان في أربعينيات القرن الماضي أغنيتها الشهيرة “ليالي الأُنس في فيينا”، جاءت هذه الليلة لتعكس وجهًا آخر من الأنس، لكنه هذه المرة أنس الحكاية ومتعة الأدب.

 

الحضور النوعي من أدباء ومثقفين أضفى على اللقاء طابعًا حواريًا غنيًا، حيث تفاعل الجمهور مع قراءات مقتطفة من الرواية، مما فتح الباب أمام نقاشات عميقة حول أسلوب مسلماني السردي، واستخدامها للرمزية في تصوير الألم الإنساني.

 

ختام المساء: أثر لا يُنسى

 

اختتمت الأمسية وسط حالة من الدهشة والانبهار، حيث أكد الحاضرون أن “لاموغ: عشق وموت” ليست مجرد رواية عابرة، بل عمل أدبي يحمل في طياته أسئلة مفتوحة عن الحب والموت والوجود. وبابتسامة دافئة، ودّعت الأديبة جمهورها، تاركةً خلفها أثرًا لا يُمحى في قلوب عشاق الأدب.

 

في تلك الليلة، لم تكن فيينا فقط مدينة الموسيقى والجمال، بل أصبحت أيضًا مدينة الحكايات، حيث امتزج العشق بالحروف، وبقي السؤال معلقًا في الأذهان: هل يكون العشق موتًا حقًا؟

 

* مقبول الرفاعي 

الأمين العام للمجلس الأعلى للجاليات اليمنية حول العالم .

مصر عادى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.