في كل عصرٍ، هناك من يتوهّم أن الصراخ يمكن أن يصنع مجدًا، وأن الكذب إذا تكرّر سيُصبح حقيقة.
لكن للزمن ذاكرة حديدية، لا يبيعها التصفيق ولا تُرشيها التغريدات.
وللأيام سُنّة خالدة أن ترفع من يعمل في صمت، وتُسقط من يثرثر في الظلام.
وهكذا، دار الزمان دورته الأنيقة، ليكشف أن مصر تلك التي ظنّ البعض أنها في هدنةٍ مع المصير كانت في الحقيقة تُفاوض القدر على مستقبلٍ أفضل، فربحت الاتفاق بشرف.
الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي اعتاد أن يتحدث بلغة الفعل لا الصوت، ترك للوقت مهمة الردّ.
فجاء الردّ مُدوّيًا لا في بياناتٍ رسمية، بل في مشاهد تُذاع على الهواء
من واشنطن التي تتحدّث بإعجابٍ عن حكمة القاهرة، إلى غزّة التي رفعت الأعلام المصرية امتنانًا لمن لم يغلق بابًا ولم يُطفئ ضوءًا في زمن العتمة.
وبينما تصدح الإشادات من الشرق والغرب، يُخيّم صمت ثقيل في معسكر “العارفين بكل شيء” أولئك الذين كانوا يُوزّعون الوهم مجانًا على الجماهير.
الذين ظنّوا أن سفارة تُغلق ستُسقط دولة، وأن شائعة تُقال ستُغيّر مصير أمة.
هؤلاء اليوم يكتبون اعتذارهم بصمتٍ مرير، لأنهم أدركوا متأخرين أن الوعي المصري لا يُشترى، وأن الأوطان الحقيقية لا تُقاس بعدد اللايكات.
في الفلسفة، يقولون إن الحقيقة تُشبه النور لا تجادل الظلمة، بل تكتفي بأن تُضيء.
وهذا ما فعلته مصر تمامًا.
لم تردّ على الأكاذيب بشتائم، بل بمشروعات تُبنى، وسلام يُصاغ، ومواقف تُدرَّس.
لم ترفع صوتها في الأسواق، لأن التاريخ علّمها أن من يملك الجوهر لا يحتاج إلى الضجيج.
أما أولئك الذين خرجوا علينا بثياب “المعارضة المستنيرة” وهم في الحقيقة حُرّاس الفشل القديم، فالتاريخ لم يطردهم… بل تجاهلهم فقط.
وما أقسى الإهمال حين يأتي من الزمن نفسه!
اليوم، مصر لا تنتقم من أحد، لأنها ببساطة مشغولة بالمستقبل.
تمشي بخطى واثقة، تضع حجرًا فوق حجر، بينما يُفتّش خصومها عن حججٍ جديدة لخيبتهم القديمة.
ولأن الله لا يُضيّع نيةً صادقة، جاء النصر لا كصدفة، بل كنتيجةٍ منطقية لقانونٍ كوني بسيط
أن من يعمل، يعلو.
ومن يكره، يزول