المنتدى الاقتصادي العربي–النمساوي الخامس عشر يفتح آفاقاً جديدة للتعاون الصناعي والاستثماري

فيينا – دعاء أبوسعدة

0 27

في لحظةٍ تماهى فيها الفكر بالدبلوماسية والاقتصاد، احتضنت الأكاديمية الدبلوماسية التاريخية في فيينا أعمال المنتدى الاقتصادي العربي–النمساوي الخامس عشر، الذي نظّمته غرفة التجارة العربية–النمساوية، وجمع نخبةً من ممثلي الحكومات والسفراء ورجال الأعمال والخبراء من النمسا والمملكة العربية السعودية وعددٍ من الدول العربية، في لقاءٍ حمل عنوان

«فرص الاستثمار ومشاريع الطاقة في المناطق الصناعية بالمملكة العربية السعودية».

وجاء المنتدى هذا العام تجسيداً للتكامل بين الرؤية السعودية 2030 والخبرة الأوروبية المتقدمة، حيث رحّب الحدث بمشاركة الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن) كشريكٍ رئيسي، تقديراً لدورها المحوري في قيادة التحول الصناعي وتعزيز الابتكار والنمو المستدام في المملكة.

افتتح المنتدى بحضور الدكتور فيرنر فاسلابند، رئيس الغرفة العربية–النمساوية، وسعادة الدكتور عبد الله بن خالد طُولة، سفير خادم الحرمين الشريفين لدى النمسا، وسعادة المهندس ماجد بن رافد الأُرغبي، الرئيس التنفيذي لـ«مدن»، والسيدة حنان حنزاز، مديرة «اليونيدو» والممثلة الخاصة للمنطقة العربية، وسعادة السفير المصري محمد نصر، المندوب الدائم للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، إلى جانب عددٍ من السفراء العرب والأوروبيين والقيادات الاقتصادية.

وأكد الأمين العام للغرفة، المهندس مضر خوجة، في كلمته الافتتاحية، أن المنتدى ليس مجرد لقاءٍ اقتصادي، بل فضاءٌ للحوار بين حضارتين تتقاطعان عند الإنسان، وتلتقيان على قيم التنمية المستدامة والإبداع.

من جانبه، أشار الدكتور فاسلابند إلى رمزية انعقاد المنتدى في أقدم أكاديمية دبلوماسية في العالم، قائلاً إن فيينا كانت وستبقى ملتقى الشرق والغرب، ومختبراً للأفكار التي تصنع المستقبل.

وفي كلمةٍ اتسمت بالعمق والرؤية، أكد معالي الدكتور عبد الله بن خالد طُولة أن الشراكة بين المملكة العربية السعودية والنمسا ليست مجرد تعاونٍ اقتصادي، بل هي مشروعٌ حضاريٌّ يُبنى على الثقة والمعرفة والابتكار.

وقال

رؤية المملكة 2030 رسمت طريقاً جديداً للتحول الصناعي يقوم على تنويع الاقتصاد، واستقطاب التقنيات الحديثة، وتمكين الكفاءات الوطنية لتكون الصناعة لغة المستقبل.

ورحّب معاليه بمشاركة «مدن» بوصفها نموذجاً سعودياً متقدماً في تطوير المدن الصناعية الذكية والخضراء، مؤكداً أن الاقتصاد لا يُقاس بالأرقام وحدها، بل بالفكر الذي يوقظ الإمكان، وبالإرادة التي تُحوّل الطموح إلى حقيقة.

«مدن» و«اليونيدو»… نحو مدن ذكية وتنمية مستدامة

عرض المهندس ماجد الأُرغبي خلال المنتدى أبرز إنجازات «مدن» في تطوير بيئة صناعية ذكية تعتمد على الطاقة المتجددة والتقنيات النظيفة، مشيراً إلى أن المدن الصناعية اليوم لم تعد مجرد بنية تحتية، بل منظومة ابتكارٍ تنتج المعرفة وتستشرف المستقبل.

كما أعلنت السيدة حنان حنزاز عن استضافة الرياض لأعمال المؤتمر العام الحادي والعشرين لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، مؤكدة أن الشراكة مع المملكة تمثل نموذجاً للتكامل بين التنمية الاقتصادية والاستدامة البيئية.

السفير محمد نصر: الاقتصاد لغة الحضارة لا الأرقام

وفي مداخلةٍ وصفها الحضور بأنها من أبرز محطات المنتدى، أكد السفير محمد نصر، المندوب الدائم لمصر لدى الأمم المتحدة في فيينا، أن العلاقة بين العالم العربي والنمسا تجاوزت مفهوم المصالح لتصبح شراكةً إنسانية قائمة على الثقة والرؤية المشتركة.

وأضاف

نحن لا نبني فقط اقتصاداً قوياً، بل نعيد تعريف معنى التنمية لتكون وجهاً آخر للسلام الإنساني.

وأشار إلى أن التبادل التجاري بين النمسا والدول العربية تجاوز ستة مليارات يورو عام 2024، بزيادةٍ بلغت 19% في عام 2025، معتبراً أن هذه الأرقام «شهادات ثقة، لا مجرد مؤشرات اقتصادية».

وتنوّعت جلسات المنتدى بين «الشراكات الصناعية النمساوية–السعودية في الممارسة» و«صناعات المستقبل – الابتكار والاستدامة ونقل التكنولوجيا»، بمشاركة قيادات شركاتٍ نمساوية كبرى مثل Andritz وTÜV Austria وRosenbauer وPfanner، الذين عرضوا نماذج عملية لتبادل الخبرات ونقل التكنولوجيا.

وحضر المنتدى عددٌ من الشخصيات السياسية البارزة، من بينهم الوزير السابق هربرت شيبنر وعضو مجلس مدينة فيينا الدكتور عمر الراوي، ما أضفى على الحدث بُعداً دبلوماسياً يوازي عمقه الاقتصادي.

اختُتم المنتدى بفلسفة البداية، بكلمةٍ أكّد فيها السيد لؤي كوزبري، الرئيس العربي للغرفة، أن الشراكة المتنامية مع المملكة العربية السعودية تمثل نموذجاً حقيقياً للتعاون القائم على الثقة والرؤية المشتركة.

وقال

من فيينا لا نودّع فكرة، بل نوقّع بداية. فحين يتحاور الشرق والغرب على أرض الاقتصاد، يصبح الاستثمار لغةً للحكمة، والصناعة فعلاً للإنسانية.

وهكذا، لم يكن المنتدى الاقتصادي العربي–النمساوي الخامس عشر حدثاً عابراً في رزنامة العلاقات العربية–الأوروبية، بل علامةً مضيئة في طريقٍ جديدٍ يُبنى على الحوار، تُوجّه بوصلته رؤية، وتكتبه إرادة ترى في الاقتصاد فلسفةً، وفي الشراكة نهضةً، وفي الإنسان الغاية الكبرى

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.