السفير مجدي مفضّل في فيينا: مأساة الفاشر تكشف ضمير العالم… والإمارات شريك في النزيف السوداني
فيينا دعاء أبوسعدة
في قاعة الأمم المتحدة بفيينا، وقف السفير مجدي مفضّل، المندوب الدائم لجمهورية السودان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مخاطباً جمعاً من الدبلوماسيين وممثلي الهيئات الأممية، في لقاءٍ هو الأشد وضوحاً منذ اندلاع الحرب في السودان.
كان صوته عميقاً كجرح وطنٍ يتكلم، وقال : ما جرى في الفاشر ليس جريمة عابرة، بل فصل من كتابٍ أسود كتبه المتمردون دماء الأبرياء، تحت أنظار عالمٍ فقد قدرته على الحياء .
الفاشر… مرآة الوجع السوداني
تحدث السفير عن الوضع الإنساني الكارثي في مدينة الفاشر، التي تحولت إلى رمادٍ من الألم بعد أن اجتاحتها قوات الدعم السريع، وارتكبت فيها مجازر راح ضحيتها آلاف المدنيين خلال أيامٍ معدودة، فيما تم إحراق المستشفيات والمنازل، ودفن الجثث في مقابر جماعية، وانقطعت سبل الإغاثة عن مئات الآلاف من العالقين وسط الحصار.
واشار مفضّل إن ما يحدث ليس معركة عسكرية، بل تطهيرٌ بشري منظم يستهدف الوجود الإنساني في دارفور ، مؤكداً أن الفاشر تمثل الصرخة الأخيرة في وجه صمتٍ دوليٍّ صار أقرب إلى التواطؤ .
اتهام مباشر للإمارات
وفي حديثه، وجّه السفير اتهاماً صريحاً إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، مؤكداً أن الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه أبوظبي لقوات الدعم السريع هو أحد الأسباب الجوهرية لاستمرار المأساة السودانية وتفاقم الجرائم ضد المدنيين .
وأوضح أن هذا الدعم لم يعد خافياً على أحد، بعد أن وثّقت تقارير أممية ومنظمات حقوقية شحنات الأسلحة والتمويل التي تصل إلى المتمردين عبر وسطاء إقليميين ، مشيراً إلى أن هذه الممارسات تشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتغذي نار الصراع على حساب دماء الأبرياء .
ودعا السفير المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لوقف الدعم الخارجي للتمرد، وفرض رقابة أممية صارمة على منافذ تهريب السلاح إلى السودان، مؤكداً أن «الحل السياسي لن يولد في ظل تدفق البنادق والدولارات التي تقتل السودانيين كل يوم».
إشادة بالموقف المصري
وفي المقابل، وجّه السفير تحية تقدير إلى جمهورية مصر العربية، مشيداً بموقفها المبدئي والثابت تجاه الشعب السوداني وقضيته العادلة ، وبجهود الحكومة المصرية في استقبال مئات الآلاف من المواطنين السودانيين الهاربين من أتون الحرب، وتقديم الرعاية والمساعدة لهم رغم الضغوط الاقتصادية والاجتماعية.
و أضاف أن مصر لم تتعامل مع السودان كجارٍ في أزمة، بل كأخٍ في محنة.
مواقفها الداعمة، وحرصها على وحدة السودان واستقراره، تظل شاهداً على عمق الروابط التاريخية والمصير المشترك بين الشعبين.
هذا اللقاء الدبلوماسي في الأمم المتحدة يأتي امتداداً لجهودٍ متواصلة يبذلها السفير مجدي مفضّل منذ اندلاع الحرب.
ففي الاثنين الماضي، استضافت السفارة السودانية في فيينا لقاءً موسعاً مع الصحفيين النمساويين والعرب، عرض خلاله السفير وثائق وشهادات موثقة لجرائم الحرب والانتهاكات ضد المدنيين، مؤكداً أن الحقائق لا يمكن أن تُطمس مهما اشتد غبار التضليل .
دعوة للحلول العاجلة
وطالب السفير المجتمع الدولي بـإطلاق مسارٍ سياسي عاجل يقود إلى وقف الحرب واستعادة مؤسسات الدولة، محذّراً من أن استمرار الوضع الحالي سيحوّل السودان إلى مركز فوضى عابرة للحدود، تُهدد الأمن الإقليمي والدولي معاً .
وأكد أن السودان ليس ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية ، وأنه لن يقبل أن يُختزل في معادلات المصالح والذهب والنفوذ .
نداء إلى الضمير الإنساني
واختتم السفير مجدي مفضّل كلمته بعباراتٍ حملت عمق الوجع وصدق الانتماء قائلاً:
الفاشر ليست مجرد مدينة… إنها مرآة الضمير الإنساني حين يغفو أمام المذبحة.
إن لم ينهض العالم الآن، فسيكتب التاريخ أن الإنسانية ماتت في السودان.
خلفية
• الأمم المتحدة حذّرت هذا الأسبوع من مجاعة وشيكة في دارفور وكردفان، ووصفت الوضع في الفاشر بأنه «الأسوأ منذ بدء النزاع».
• تقارير ميدانية وثّقت مقتل أكثر من ٣,٥٠٠ مدني في الفاشر خلال أسبوعين، ونزوح أكثر من ٧٠ ألف شخص.
• الخرطوم قدّمت شكاوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ضد الدعم الإقليمي الموجَّه لقوات الدعم السريع.
• القاهرة تواصل استقبال اللاجئين السودانيين عبر معبر أرقين، وقد تجاوز عددهم منذ ٢٠٢٣ خمسة ملايين شخص وفقاً لإحصاءات رسمية مصرية وسودانية.
بهذه اللغة الهادئة، الحازمة، يمضي السفير مجدي مفضّل في معركته الدبلوماسية من فيينا، حاملاً وجع السودان على كتفيه، وسلاحه الوحيد الحقيقة… حقيقة وطنٍ يُذبح بصمت، ويصرّ على أن ينهض من تحت الركام

