الدكتور محمد كساب… عالم مصري يسخّر الذرة لأجل الغذاء والتنمية المستدامة

فيينا دعاء أبوسعدة

0 34

في زمن يتقاطع فيه خطر التغير المناخي مع أزمات الغذاء والمياه، يبرز علماء استثنائيون يختارون أن يكونوا في قلب التحديات، حاملين مشاعل المعرفة كجسور نحو مستقبل أكثر أمانًا. ومن بين هؤلاء يتألق اسم الدكتور محمد فتحي كساب، أستاذ مساعد بقسم بحوث الأراضي والمياه – هيئة الطاقة الذرية، الذي جعل من العلم رسالة، ومن الذرة أداةً للبناء والتنمية، لا رمزًا للقوة فقط.

وُلد الدكتور كساب بسنتريس مركز أشمون في السابع من يناير 1981 ، وتخرج في كلية الزراعة – جامعة المنوفية عام 2001، ليبدأ مسيرة أكاديمية مشرّفة حملته إلى إيطاليا، حيث حصل على ماجستير العلوم الزراعية – إدارة الزراعة المروية عام 2007 بتقدير امتياز، ثم دكتوراه الفلسفة في هندسة المياه من جامعة ميلانو التقنية عام 2012.

منذ التحاقه بهيئة الطاقة الذرية عام 2003، تميز بإسهاماته المتعددة في مجالات إدارة المياه والتربة باستخدام التقنيات النووية، الكشف عن الملوثات الإشعاعية في الأغذية والمنتجات، تقييم انجراف التربة، وإدارة محطات معالجة المياه. وقد أهلته خبراته ليكون أحد خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، والمنسق الوطني لمشروع التعاون الأفريقي AFRA 5092، وعضوًا في مبادرة “الذرة من أجل الغذاء” (Atoms4Food) التي أطلقتها الوكالة بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو).

إنتاج علمي ومعامل متقدمة

لم يكن عطاؤه محصورًا في المشاركة الدولية، بل امتد ليُسهم في إثراء البحث العلمي؛ إذ نشر نحو 17 ورقة بحثية، تناولت موضوعات متقدمة مثل:

 • التغيرات في المسامية والنفاذية غير المترابطة أثناء تحلل الصخور الكربونية: الأدلة التجريبية والنمذجة.

 • توقيع النظائر والخصائص العنصرية للتكوينات تحت السطحية حول طبقات الفحم العميقة باستخدام تقنيات ذرية ونووية. 

 • تقييم معدل التعرية في منطقة زراعية مطرية على الساحل الشمالي الغربي لمصر باستخدام قياسات السيزيوم .

وفي إطار مبادرة “الذرة من أجل الغذاء”، أنشأ عام 2017 معمل هندسة المياه والتقنيات النووية بعد عودته من بعثته العلمية، وزوّده بأحدث أجهزة قياس النشاط الإشعاعي في عينات التربة والمياه والنباتات. كما شهد يناير 2025 حدثًا فارقًا بتدشين معمل قياس النظائر المستقرة بمركز البحوث النووية، في إطار مشروع وطني لتعزيز القدرات المصرية في مكافحة انجراف التربة واستعادة خصوبة الأراضي المتدهورة. وقد حضر خبراء من فرنسا إطلاق المعمل، الذي جُهّز من خلال مشروعات التعاون الفني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون أي أعباء مالية على الهيئة، ليستمر في العمل لخمس سنوات مقبلة. هذا المعمل يفتح آفاقًا واسعة لإنتاج بصمة نظائرية للمنتجات الزراعية المصرية، تعزز تنافسيتها عالميًا.

وفي نوفمبر القادم، يواصل الدكتور كساب مسيرته البحثية بمشروع جديد بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تحت عنوان: “تحسين الإنتاجية المستدامة للمحاصيل في الأراضي الملحية والصودية بمصر: طريقة ذكية مناخيًا باستخدام البولي هاليت والتقنيات النووية”، وهو مشروع يستهدف دعم الزراعة المصرية في مواجهة التغيرات المناخية وتحقيق إنتاجية عالية ومستدامة.

حضور بارز ومشاركات دولية

على الساحة الدولية، مثّل الدكتور كساب مصر في عدد من اللقاءات النوعية، منها:

 • اجتماع الخبراء الذي نظمته الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون مع حكومة السنغال بمدينة سان لويس (فبراير 2025)، حول تحسين الإنتاجية الزراعية وتعزيز الأمن الغذائي.

 • الاجتماع التنسيقي الأول الذي عقد في نيروبي بكينيا (مايو 2025)، لمتابعة مشروعات التعاون الفني ضمن برنامج AFRA 5092.

رؤية إنسانية لمستقبل الغذاء

في مشاركته الأخيرة بالمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أكد الدكتور كساب أن المزارعين هم الأبطال الحقيقيون للأمن الغذائي، فهم الركيزة التي يستند إليها استقرار المجتمعات. أوضح أن دعمهم لا يتحقق إلا عبر تزويدهم بنتائج الأبحاث التطبيقية وأدوات الزراعة الذكية مناخيًا، مشددًا على أن غياب المزارع يعني غياب الغذاء، وغياب الغذاء يعني غياب المستقبل.

ولم يكتفِ بذلك، بل دعا إلى تبنّي سياسات عملية تجعل من التكنولوجيا النووية شريكًا استراتيجيًا للزراعة، بما يضمن تحسين خصوبة التربة، رفع كفاءة استخدام المياه، وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية في الأسواق العالمية. كما شدّد على ضرورة الاستثمار في نقل المعرفة والتدريب الحقلي، حتى تتحول نتائج الأبحاث إلى واقع ملموس في الحقول الأفريقية والمصرية على السواء.

وفي الختام 

إن سيرة الدكتور محمد فتحي كساب ومشاركاته الدولية تعكس صورة مشرقة لعالم مصري جعل من العلم رسالة لخدمة الإنسانية. إنه نموذج للعالم الذي يتجاوز حدود المعمل ليصبح صوتًا في المحافل الدولية، ودليلًا على أن مصر ما زالت تنجب عقولًا قادرة على صياغة المستقبل. فالعلم في يديه لم يعد مجرد معرفة، بل أصبح حياة تتجدد، وأمنًا غذائيًا يُبنى، ورسالة إنسانية تمتد عبر الأجيال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.